التجريب في المسرح السوري

التجريب في المسرح السوري...محاولات يائسة لإثبات الوجود والخروج عن المألوف

تكون مفهوم التجريب المسرحي عالمياً مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كما يمكن فصله عن مفهوم الحداثة الذي ظهر بمختلف أنواع الفنون من الرسم والنحت إلى أن تلاشت المدارس الجمالية والفنية التي تفرض القواعد الثابتة، لذلك جاء التجريب المسرحي كحركة حديثة تهدف بشكل أساسي للبحث ومحاولة الخروج عن المألوف وكسر جميع القواعد المسرحي السائدة.
وهناك من يعتبر أن صفة التجريب - كما في بقية أنواع الفنون الأخرى- لا ترتبط بنوع أو تيار أو بفترة زمنية محددة أو حركة مسرحية ما، فالتجريب كان وما يزال المحرض الأساسي للإبداع المسرحي منذ ولادته إلى الآن، ولم يتوقف إلا بالمراحل التي فرضت فيها قواعد مسرحية صارمة على الكتابة وشكل العرض وبنيته لتحد من امكانية التجريب والتجديد.
كما أخذت الحركات التجريبية بالمسرح مسميات وصفات عديدة طالت النص وعناصر العرض المختلفة، لكن القاسم المشترك لجميع هذه المحاولات هو الرغبة في تطوير العملية المسرحية بشكل جذري بعيداً عن التقاليد والأعراف المسرحية الجامدة والثابتة، وبذلك يمكننا اطلاق تسمية المسرح التجريبي على جميع المحاولات المسرحية المعاكسة ببنيتها وشكلها للمسرح التقليدي «الأرسطوي» كما جاء بمحاضرة المسرحي الألماني بروتولد برخت «في المسرح التجريبي» عندما قال: «كل مسرح غير أرسططالي هو مسرح تجريبي»، وانحصر التجريب المسرحي في بداياته بشكل العرض الذي فرض الانفتاح على باقي الفنون الأخرى ليخلق علاقة جديدة مع الجمهور، وليقدم التجريب دوراً جمالياً فنياً ودوراً أيديولوجياً.
بداية التجريب المسرحي في سورية
كان للقاء الراحلين المخرج فواز الساجر والكاتب والمنظر المسرحي سعد الله ونوس عام 1976 أثراً كبيراً على الحركة المسرحية في سورية ما تزال آثاره واضحة إلى الآن رغم جميع محاولات التعتيم والتهميش التي يقوم بها بعض العاملين بالوسط الثقافي والمسرحي، حيث أثمر هذا اللقاء عن إنشاء المسرح «المسرح التجريبي» بقرار من الوزارة التي عينت فواز الساجر مخرجاً له وسعد الله ونوس مديراً ومشرفاً على عروضه المسرحية، وتركت لهما حرية اختيار النصوص وجعلت صالة مسرح القباني مكانا له. وكان أول العروض التي قدمت باسم التجريب المسرحي هو «يوميات مجنون» عن نص الكاتب الروسي غوغول وإعداد ونوس وإخراج الساجر وبطولة الفنان أسعد فضة لأنه كان من نوع المونودراما.
تلاه عرض «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» وهو نص اقتبسه الراحل ونوس عن نص «كيف تخلص السيد موكمبوت من آلامه» للكاتب الألماني بيتر فايس، من ثم العرض الإشكالي «ثلاث حكايات، حكاية ضربة الشمس- حكاية صديقنا سانشو- حكاية الرجل الذي صار كلباً» للكاتب الأرجنتيني أزوالدو دراكون، كما حاول مدير المسرح التجريبي في ذلك الوقت استضافة عروض مسرحية سورية وعربية لتقديمها ضمن إطار التجريب المسرحي الذي كان في بداية تبلوره وظهوره، حيث تمت دعوة فرقة المسرح العمالي بحمص لتقديم مسرحية «القرى تصعد إلى القمر» عام 1979، كما حاول الساجر دعوة عدد من المخرجين للتعاون معه لكن كلا الأمرين لم يتحققا، لتنتهي تجربة الساجر وونوس بتقديم ثلاثة عروض مسرحية يتيمة لكنها كانت كافية لتثير الكثير من التساؤلات حول المعنى الحقيقي للتجريب الذي حاول مدير المسرح التجريبي ومخرجه تكريسه وإرساء دعائمه، ومن أهم أسباب توقف هذه التجربة هي عدم توفر الشروط الملائمة والإمكانات المعرفية الصحيحة، مما أحدث حالة من التباس حول المعنى الحقيقي للتجريب المسرحي الذي جاء متأثراً بشكل كبير بالتجارب الأوربية ذات الاتجاهات والمفاهيم المتعددة غير الملائمة لواقعنا المحلي، كما انحصر المعنى الحقيقي للتجريب عند المسؤولين عنه بتكوينه تدريجياً أثناء العمل على الخشبة دون وجود قواعد أو أسس ثابتة ومسبقة له، هذا ما أكدته الكلمة التي تقدمت بها إدارة المسرح التجريبي عند تقديمها لعرضها الثاني والتي ورد فيها: «أثار العمل الأول الذي قدمه المسرح التجريبي «يوميات مجنون» عدداً كبيراً من الالتباسات، وكان مرد هذه الالتباسات في مجملها، نقطتين أساسيتين: الأولى تركزت حول تحديد مفهوم التجريبية، والثانية حول اختيار نص يوميات مجنون. وحول النقطة الأولى كان ثمة خلط بين التجريب كما تحدد في سياق التجربة المسرحية الأوروبية وبين مفهومنا الخاص عنه، ففي أوروبا المسرح التجريبي هو في معظم الأحيان بحث شكلي ونخبوي يرمي إلى شق ثغرة في الطريق المسدود الذي وصل إليه المسرح هناك. أما بالنسبة لنا، فالتجريب يعني البحث عن المسرح الذي يلبي حاجاتنا الثقافية والتاريخية، يعني خلق مسرح أصيل وفعال في المناخ السياسي الاجتماعي الراهن. كنا نحلم بتجربة مفتوحة تتحقق مع جمهورها الحقيقي متنامية كل مساء، لا شيء ثابت وله تعريفه الجاهز، لا الكتابة الدرامية ولا طرق تدريب الممثل ولا مكان العرض، إن العمل المسرحي، وبكل أطره المعروفة، يصبح بهذا المعنى مـجرد احتـمالات تتبـدل وتصـوب وفـق العلاقات الحيـة مع متفرج بالذات».
وفي مقالة للباحث والكاتب والناقد المسرحي نديم معلا حول المسرح التجريبي حدد المعنى الحقيقي لمفهوم التجريب بقوله: «يريد هذا المسرح ببساطة، مخاطبةَ الجمهور والوصول إليه ولكن بأدوات جديدة. لنقل بعبارة أخرى: بلغة مسرحية جديدة. وهذا يعني أنه يبحث باستمرار، وأنه يرفض أن يتوقف عند المألوف والتقليدي. كما يرفض العلاقة التقليدية بين المسرح والجمهور. يريد تحطيم العلبة وإقامة علاقة هي أشبه بالحوار مع المتفرج، مستفيداً من التراث المسرحي كله عبـر توظيفات جديدة له في سبيل تحقيق الهدف الذي يسعى إليه المسرح».
أراد المسرح التجريبي في سورية أن يحقق معادلة صعبة تتلخص بكسره الإطار التقليدي للعرض المسرحي ومحاولة الوصول إلى الجمهور بلغة مسرحية جديدة تحقق المتعة والفائدة بآن معاً، ولتحقيق هذه المعادلة تم إلغاء الخشبة بمفهومها التقليدي بالعرض الثالث «ثلاث حكايات» عندما راح الممثلون يتجولون وهم يؤدون أدوارهم بين الممرات وكراسي المتفرجين، وتم إيجاد صيغة إعداد للنص الأصلي لتلامس المتلقي وتحرك انفعالاته وخياله وتفاعله مع العرض الذي يقدم إليه، ويشرح الساجر محاولته تلك بقوله: «في هذا العرض ألغينا خشبة المسرح. هل هو تجديد شكلي وفذلكة؟، يقيناً لا. فمشكلة المكان المسرحي هي واحدة من المشاكل الأساسية التي وجدنا ضرورة معالجتها في سياق عملنا التجريبي. إن هندسة مسارحنا التي نسخنـاها عـن نموذج واحد من نماذج المسرح الأوروبي، ونعني المسرح على الطريقة الإيطالية، تشكل عائقاً أمام تكوين علاقة حارة وفعالـة بين الفرجة والمتفرج، بين العرض والجمهور. وإذا كنا نريد أن نقتبس ونعمق تقاليد الفرجة لدينا، هذه التقاليد التي تتيح للمتفرج عفوية وتفتحاً نفسياً، فإن علينا أن نهدم البناء المسرحي من جهـة، وأن نبحث عن علاقـة تشكيليـة جديدة بين الممثل والمتفرج».
توقف المسرح التجريبي عن تقديم عروضه عام 1981 بسبب سفر الساجر إلى موسكو لاستكمال دراسته، لكنه أوجد بمشاركة زميله بهذه التجربة سعد الله ونوس القواعد الأساسية لمفهوم التجريب المسرحي الملائم للبنية الثقافية للمجتمع السوري على الرغم من قصر المدة الزمنية وقلة العروض المقدمة بها.
التجارب الحديثة: الإبهار البصري على حساب المضمون
لم يحدد المسرح التجريبي السوري قواعد أو خصائص معينة له، إنما سعى إلى إيجاد أساليب مسرحية جديدة تهدف إلى إعادة الاعتبار للفن المسرحي وكسر التقاليد المتبعة لتحقيق الاتصال المباشر مع شريحة واسعة من الجمهور ليناقش قضاياهم ومشاكلهم اليومية بشكل فني راق، مساهماً بتحويل المسرح إلى طقس اجتماعي جماهيري ومستبعداً الأفكار الفلسفية والمقولات الكبيرة.
ومع بداية العقد الثامن من القرن الماضي عاد إلى سورية الكثير من الدارسين للفن المسرحي من أوروبا وأمريكا لينقلوا معهم آخر الابتكارات والنظريات الحديثة المعنية بالتجريب المسرحي، كما ساهمت العروض المسرحية الأجنبية الزائرة للمهرجانات والفعاليات الثقافية المحلية، بتقديم تطبيقات عملية للتجريب المسرحي، وقدم المسرح القومي تجارب إخراجية عديدة لمخرجين شباب اتجهت نحو التجريب وشاركت بمهرجان القاهرة التجريبي الذي بات منذ عام 1988 قبلة للعروض المسرحية التجريبية في الوطن العربي، بعد أن سبقه المسرح السوري بخوض غمار التجريب بعشر سنوات كاملة!، واستطاعت العروض السورية أن تحرز جوائز عديدة بمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي محققة مكانة مرموقة لها، نذكر منها عرض شوكولا للمخرجة الشابة «رغدة الشعراني» وعرض «فوضى» للمخرج والممثل المسرحي «عبد المنعم عمايري»، لكن المتابع لهذه العروض يلاحظ تأثر مخرجيها بالأسلوب المصري بالتجريب المسرحي الذي يولي الشكل وابتكار وسائل العرض الجديدة الأهمية الكبرى على حساب المضمون، معتقداً أن شكل العرض الذي يعتمد على الإبهار البصري يزيد من حجم التواصل مع الجمهور، ليصبح مفهوم التجريب مرضاً عصياً غير قابل للشفاء يستشري بالغالبية العظمة من عروضنا المسرحية، كما أصبح الشماعة التي يعلق عليها أصحاب العروض التجريبية فشلهم بتقديم عروض مسرحية تجمع بين المتعة والفائدة والشكل الفني الجديد الذي يطرح قضايا فكرية واجتماعية وسياسية.
كما جنحت عروضنا المسرحية التجريبية المحلية إلى التلاعب بعناصر العرض المسرحي بشكل أفقدها خصوصيتها، كما هو الحال مع عرض «فوضى» للعمايري الذي استثنى عنصر الحوار المسرحي ليحول عرضه إلى مجموعة مونودرامات يجمعها مكان واحد لشخصيات العمل، كذلك عرض «الليغرو» لعروة العربي الذي أعتمد بشكل أساسي على ابتكار الحركة والميزانسين لممثليه على الخشبة، كما حول إحدى الشخصيات إلى مجموعة نوتات موسيقية عزفت حية على خشبة المسرح معتقداً أن ما يقدمه هو تجريب ناضج بعد أن حول شخصياته إلى أشباح تهذي بشكل هستيري ليتحول النص والحواالتجريب في المسرح السورير إلى صراخ يصم الآذان، مما تسبب بغياب المتعة عن عرضه الذي جاء خير مثال للتقليد الأعمى الذي يتبعه الغالبية العظمى من المخرجين الشباب لما يشاهدونه من عروض تجريبية، مما يجعلنا لا نستطيع التميز بين التجريب المسرحي الحقيقي والتجريب المبتذل

جميل يا قمر
كل الشكر لك
التجريب في المسرح السوري 530875

شكرا يا احمد
تقبل مروري
التجريب في المسرح السوري 362154

شكرا كتير لمروركم التجريب في المسرح السوري 72740

شكرا لك

شكرا لمروركم