ارنستو تشي غيفارا مذكرات دراجة

الى
المدى الذي تحتمله مقدرتهما النفسية والجسدية والمادية ، لينطلقا في الرابع من
كانون الثاني 1954 عبر الارجنتين بلدهما اولا ليقطعا تشيلي والبيرووكولومبيا
وفنزويلا ليعودا الى الارجنتين في آب 1952 في مغامرة تلقي الضوء على القماشة
النفسية الاخلاقية للشاب الذي سوف يكون ارنيستو (تشي) غيفارا الذي طبقت شهرته
الآفاق كمناضل يسارى ورجل تراجيدي سعى بكل مالديه كي يحرر العالم معطيا لعمله
وغايته صفة الحلم والتفاؤل جعلت منه ايقونة معاصرة لشباب النصف الاخير من القرن
الماضي .

لم تكن هذه الملاحظات ترقى الى مستوى المذكرات او السير الذاتية او حتى ادب
الرحلات لولا ان تشي ذاته هو كاتبها شأنها شأن السير الذاتية للمشاهير والمبدعين ،
ولكن ابن الثالثة والعشرين عاما كتب على سجيته كأميركي جنوبي مفعم بتأثيرات
المجتمع الارجنتيني الثقافية مع وصوله هو وغيره من مجتمعات اميركا الجنوبية الى
مفترقات سياسية واجتماعية وثقافية يبدوفيها غيفارا الصفحة البيضاء متحسسا بشكل
فطري لهذه المفترقات عبر انفعاله النقدي لمشاهداته المتنوعة على طول خط الرحلة ،
هذه الانفعالات والمشاهدات التي حاول تشي حزمها في باقة متكاملة عبرة حسه البدائي
الانساني الذي لم تصقله الخبرة ، مع انه بدا واعيا لفكرة انه سوف يفقد عذرية وبهاء
وحرية السذاجة امام تجربة الانسان وتوقه للمعرفة ربما معرفة ذاته اولا . ومع هذا
فإن الطيش وقلة الخبرة تحولا الى تحد اثناء محاولته تذوق متعة المعرفة المجردة
التي قادته فيما بعد الى تذوق متعة (النضال) في اتساق معرفي ذاتي بين الطبيعة
والانسان والقوى المروضة لهما ، ليظهر التراكم المعرفي بين بداية الرحلة ونهايتها
كبناء بدأت اساساته بالظهور على الرغم من عدم تبين الشعرات الفاصلة بين المغامرة
العبثية والتوق المعرفي الشاق، حيث تترك معرفتها للقارىء من خلال قياس النضج
الشخصي بين بداية الرحلة ونهايتها لغيفارا المغامر طري العود . ارنستو تشي غيفارا مذكرات دراجة Clip_image001

ارنستو تشي غيفارا مذكرات دراجة Clip_image001

قد يبدو تسلق احد جبال الانديز التشيلية المثلجة والتعرض لمخاطر مؤكدة لمجرد
مراقبة منظر والتمتع به ، فانتازيا ومترفا بطريقة ما ، ولكن مع وصله مع حياة
ثقافية وسياسية واصلة الى مفترقها يبدو الامر طبيعيا ولو كان على المستوى الرمزي ،
خصوصا في حياة اجتماعية تبدو مترفة بحصولها وممارستها لحد لا يخرق من حقوق الانسان
المتمثل في ثقة الانسان الفرد بحقه في التعبير والممارسة على الرغم من ان حقوق
الانسان مخروقة من النواحي الاخرى والتي سجلها غيفارا في يوميات رحلته هذه دون اي
ادلجة مثل التمييز العنصري بحق الهنود الحمر، والظلم الجاثم على صدور عمال مناجم
النحاس على الرغم من الارباح الهائلة التي تجنيها الشركات، والطبقات المفسودة التي
تمارس الترف السادي بالعلاقة مع الطبقات الضعيفة، الا ان التقاليد الاجتماعية من عمل
اهلي ومنظمات مدنية والتي تضمن الحق الشخصي شكلت ارضية لانطلاق تشي بمغامرته
الاولى محاولا التعبير عن ذاته وسمحت له بالتساؤل والبحث عما فوقها وبعدها دون
الحاجة الى الجرأة التي استخدمها فيما بعد اثناء حياته النضالية .
الرحلة ككتابة ووصف تبدو ظريفة ومشوقة في متابعة مغامرة تشي وصديقه ودراجتهما وحتى
طريفة ، فهذه الدراجة المتهالكة التي تتعطل كثيرا وتؤدي الى حوادث طرقية خطيرة ،
بالاضافة الى الجيوب الخاوية التي وضعتهم في مآزق طريفة احتالا عليها بلا مهارة في
سبيل تأمين اللقمة والمبيت والانتقال من مكان الى آخر بعد موت دراجتهما ، والممتع
بحق كان وصف غيفارا لهذه المآزق ليس من خلال السرد المشوق فقط بل من اعتباره انها
لا تستحق التوقف عندها فهي طبيعية جدا تشبه تماما الحياة في اميركا الجنوبية ، على
الرغم من اصراره على أخذ حقه كإنسان وكطبيب من الجمعيات الاهلية والادارات الرسمية
في بلدان لا ينتمي اليها وكأن صفته كرحالة تفترض مجموعة من الحقوق قد لا نستطيع
تبينها نحن سكان الطرف الشرقي من العالم الثالث .
المسألة المهمة التي يمكن ملامستها من هذه اليوميات تتعلق بما يسمى الواقعية
السحرية والتي اكتشفناها على يدي ماركيز في سبعينيات القرن المنصرم ثم تتالت
الكشوفات عن هذا النوع من الادب ، ولكن ومن خلال هذه الرحلة نكتشف ان من يكتب في
اميركا اللاتينية عليه بطريقة او بأخرى ان يعرج على هذا النوع من الكتابة ،
فالتفاعل الشديد بين مجموعة من المكونات مثل ثقافات الهنود الحمر السكان الاصليين
وتراثهم ولغاتهم ، والطبيعة فائقة التحول والقسوة ، ودخول عوامل مستحدثة عليهم
كاللغة الاسبانية والادارات الاجتماعية والسياسية والتكنولوجيات صنعوا خلطة عجيبة
لا تكفيها لغة سردية واقعية لوصفها او اعطائها صورة محددة ما ، لذلك وحتى هذا
الفتى اليافع والبريء نراه يذهب الى تلك اللغة السحرية في وصف ما يراه في اراضي
الانكا ـ البيرو ، فالعوامل الطبيعية صنعت من اطراف التلال قلاعا ليدخل ليس في
وصفها وانما بمحاورتها كقلاع حقيقية مبنية بيد انسان مغرق في الغبار ،او يقول في
وصف مدينة اسمها كوزكو :يحط غبار دقيق لا يلحظ من حقبة الى اخرى يصعد من بحيرة
طينية حين تلمس قعرها منذ ألقت ماما اوكللو وتدها الذهبي في الارض وغاص دون جهد ..
هذه التعابير التي تلمظنا بها على ايدي ادباء اميركا اللاتينية تبدو كلغة تعبير
عامة عند هذه الشعوب معيدين الى اللغة دقتها بوصفها اداة تصور وليس اداة تفاهم فقط
،على ما يدفع بين حناياها دفقا من الروح الجمعية لهذه المجتمعات ، ولكن ما يهم هنا
هو تلك الدماثة اللغوية عند تشي الذي مثل مولودا شرعيا لمجتمعه بأطيافه كافة توقه
الى التغيير ، من خلال انخراطه الثقافي في هذا الحراك التوق .
يوميات دراجة نارية هي كتابة يوميات التحول من العلم بالشيء الى المعرفة به عبر
مخاضات الفعل الانساني القاسية و غير المؤدلجة والبعيدة عن التطريز الخيري للفعل
الابداعي ، انها يوميات عن التحرك من السكون الى المبادرة ،من النظر الى الملامسة
، انها بحث في المتغير الانساني عبر تلامسه الحميم وربما اللاهب مع العالم الحياة
دون تزويق او مكابرة.

الكتاب: ملاحظات عن رحلة
المؤلف: أرنيستوتشي غيفارا

موضوع جميل جداً
ارنستو تشي غيفارا مذكرات دراجة 108297

شكرا لمرورك

مذكرات جميلة
والموضوع اجمل

ردك هو الاجمل شكرا الك